أ.م.د بشائر مولود توفيق
إن التربية التي ينهل منها الفرد من أسرته تعد الحماية والحصانة لفكرة وعقليته اذ تعد الأسرة المجتمع الأول الذي يعيشه الإنسان ، ففيها يتعرف على البيئة من حوله ويتعلم منها ويتأثر بها وخاصة الأم ودورها الكبير في التوجيه التربوي للأولاد نحو الفكر السليم الذي يخدم الأمة، ومن هنا فإنه يقع على عاتق الأم مسؤولية جسيمة في تربية النشء، والعمل على توجيههم نحو المبادئ الحميدة التي تجعلهم في خدمة أوطانهم وأمتهم.
إن مشكلة الانحراف الفكري تعود في أصلها إلى التربية وعدم إدراك الأم ما يحيط بها، وعدم وعيها بالتغيرات السلوكية عند أبناءها , فنجد أمًا تدرك تحرّكات أبنائها وتفكيرهم ، وبالمقابل نجد أمً أخرى غير واعية بسلوك أبنائها وقلة مخزونها الثقافي ويرجع هذا إلى عدم وجود نوع من التأهيل لهذه الأم حتى تتقن التعامل مع أبنائها فالنظام التعليمي الذي تعلّمت من خلاله الأم لا يؤهلها أن تدرك علامات التطرّف التي تدل على انحراف الفكر عند الشاب فاليوم لم تعد مسئولية الأم في توفير الأمن الغذائي والوظيفي والحياتي للأبناء، بل تجاوزت مسئوليتها أبعد من ذلك فشملت ضرورة توفير الأمن الفكري والثقافي، وتوفير هذا النوع من الأمن يحتاج إلى أم واعية تدرك ما يحصل حولها في المجتمع، وتتقن التعامل معه ومن هنا تظهر حاجتنا لمثل هؤلاء الأمهات الواعيات اللواتي يعرفن المسئولية التي نحتاجها بكل أبعادها.
وإذا نظرنا إلى نقطة التأثّر الأولى التي يتأثّر بها الأبناء فإننا نجدها متمثّلة في الأم اذ أن للأم دورًا كبيراً في التوجيه الفكري لأبنائها، لذلك يجب عليها أن تغرس فيهم ما يجنّبهم الخضوع لأفكار المنحرفين، ومن أبرز هذه الأفكار خلق الانشقاق والفرقة، و عليها أن تسعى جاهدة إلى العمل على تنمية العلاقات في الأسرة، فتغرس القوّة في العلاقة بين الأخ وأخيه، وتغرس دروس العبر التي يجني الأبناء من ورائها الكره للفرقة والمشاحنة والعنف، فحين تزرع هذه المعاني الأصيلة فإنها لن تقتصر على أسرتها فحسب، بل ستمتد إلى المجتمع باكمله.
إن الإحساس بالأمانة وعظم مسئولية التنشئة لا يأتي مردودها على الأسرة فحسب، بل يأتي على جميع أطياف المجتمع، ويؤدّي بكل تأكيد إلى تشكيل مفاهيم تربوية بأساليب تشويقية، اما أن فيها متابعة بضمير لكل أحوال الأبناء، ومراقبة لصداقاتهم التي أنشئت في غالب الأحوال ضياع الأبناء على أيدي هؤلاء الأصدقاء الذين ضاعوا في دياجير ظلمة الانحراف الفكري وبعد ذلك فإنه يتحتّم علينا أن نضع الأم في الدور السليم الذي ينبغي أن تقوم به، وذلك من خلال التخطيط الجيّد لتربيتهم، والتربية التلقائية تعتبر خير وقاية من هذا المرض العضال، وهذا النوع من التربية يقوم من خلال ثلاثة أدوار هي:
الدور البنائي : الذي يعتمد على تنشئة المرأة لأبنائها على المنهج الوسط – النقي، فالأسرة هي المحصن الأول الذي يبدأ منه تحصين الأبناء، حيث تقوم الأسرة بدورها في وضع التشكيل الأساسي للمبادئ الصحيحة في نفوس الناشئة.
الدور الوقائي: هو دور لا بد أن تقوم به الأسرة في العمل على التحذير من الأفكار المنحرفة، دون أن ينتظر أن يتبناها أحد الأفراد.
الدور العلاجي: هو دور يسهم في معالجة ما تجده الأسرة في الأبناء من مؤثّرات تخدش فكرهم، وتسهم في هدم معالم التفكير السليم عندهم
إننا نحتاج إلى قرار سياسي يفعّل دور المرأة في مجتمعها، ويجعلها تدرك مدى المسئولية التي تقع على عاتقها وذلك حتى تقوم بدورها المطلوب في تنشئة الجيل الذي يبني أمته بدلا من أن يهدمها، وهذا يحتاج إلى تفعيل عبر جميع الأصعدة، ومن خلال جميع قنوات المعرفة حتى نجد التأسيس السليم لأمهات العصر اللواتي لا بد أن يكنّ على كفاءة في حماية الأبناء من أفكار الغلاة المتشدّدين، وذلك لن يتأتّى إلا من خلال الإعداد التربوي القوي للمرأة، وفق منظومة تخطيط تقوم بوضعها السلطة بناء على التوجيهات السديدة من الشخصيات التربوية في المجتمع، والتي تمتلك الخبرة الكفيلة بوضع منظومة لخلق الأمهات اللواتي يحمين الجيل الجديد من الانحراف، وتعمل على تحديد دور فعّال لها في بناء مجتمعها.
No comment