ضمن المشاركة الواسعة لجامعة بغداد في التظاهرة الثقافية الفنية التراثية السياحية، التي تحمل روح الموهوبين والمبدعين وبرعاية معالي وزير الثقافة الدكتور سعدون الدليمي وتحت شعار ( لنصدح عاليا لبغداد الحضارة والسلام )  واحتفاءاً ببغداد عاصمة للثقافة العربية تم إفتتاح ( مهرجان لقاء الأشقاء العاشر )، الذي اقامته ( محافظة بغداد ) على قاعات المحطة العالمية لسكك حديد العراق والمركز الثقاففي البغدادي وحدائق القشلة ومتنزه الزوراء، للمدة من 28/10 ولغاية 1/11/2013، اشترك مركز البحوث التربوية والنفسية ومن خلال التدريسية والباحثة والفنانة المبدعة (أ. م. د. حنان العبيدي) بلوحة تشكيلية حملت اسم ( نساء نفاخات – رجال فقاعات ) في اليوم الأخير للمهرجان الذي افتتحه معالي السيد محافظ بغداد ( علي التميمي ) الذي اقتطع وقتا للتحدث مع الدكتورة العبيدي حول موضوعة اللوحة مثنيا على الفكرة التي توافقت بحسب قوله مع الكلمة التي قدمها في بداية الإفتتاح.

   هذا وقد اثارت هذه اللوحة انتباه وتساؤل وتحليل من قبل معظم زوار الباحة التي عرضت فيها، ومن الملفت للنظر أن بعض التحليلات جاءت متناقضة في الرؤيا بين رأي وآخر، ونشرت على الكثير من مواقع التواصل الإجتماعي سيما (Facebook) وكان من أهم التعليقات الرؤيا الفلسفية لأستاذ الفلسفة (د. طه جزاع) التدريسي والباحث في مركز البحوث التربوية والنفسية جاء فيها:
    تمثل اللوحة التي أنجزتها مؤخرا الباحثة والفنانة التشكيلية (د . حنان العبيدي) رؤيتها الفلسفية الخاصة تجاه العلاقة السرمدية بين الذكر والأنثى، والقائمة على تصحيح الاعتقادات الخاطئة حول هذه العلاقة وأهمية كل منهما في نشأة الكون والحياة، منذ بدء الخليقة الأولى التي كانت الانثى فيها هي الأصل وهي المبتدأ، مرورا بتخليص الأذهان من فكرة الخطيئة الاولى التي تلحق عادة (بالمرأة-الأنثى) وكأنها هي وحدها التي تتحمل أوزار تلك الخطيئة، وما يترتب عليها من غضب ولعنات ونظرة دونية، حاول (الذكر – الرجل) أن يرسخها بمرور الازمان، ملقيا ظلالا ثقيلة من الأغطية اللاهوتية التي يدثر بها الحقائق الأولى، ويحاول بها ان يجنب نفسه مسؤولية الغضب الالهي الذي ما كان ليكون لولا الأنثى الخاطئة المحرمة التي قدمت اللذة على صحن الأغراء للذكر المسكين، الواقع بين اغراءات الأنثى وحبائل الشيطان، ولذة التفاحة وفحيح الأفعى!

   والذي يعرف د. حنان العبيدي، ويعرف أفكارها وشطحاتها ووساوسها، يتمكن بسهولة من حل ألغاز لوحتها التي حملت عنوانا قريبا الى السخرية ( نساء نفاخات – بالونات – .. رجال فقاعات ) اذ ان نساء العبيدي، محلقات بخفة البالونات في جوف الحياة والكون، وكأنهن يحاولن الأنعتاق من لعنة وخطيئة الحقت بهن زورا وبهتانا، أما الرجال المتسترون خلف ذلك الزور والبهتان والأكذوبة الكبرى، فأنهم فقاعات زائلة متسربة في نهر الحياة، وفي وجوههم ذهول ودهشة من تلك الأنثى التي حلقت في فضاء المعرفة والحقيقة، في عناد وإصرار لتحطيم اسطورة الرجل –الفقاعة، وإعادة الاعتبار الى ذاتها الانثوية التي كانت هي الأصل والغاية والمنتهى، قبل ان تطمر تحت ركام الاعتقادات الميثولوجية التي كان الرجل بارعا في توظيفها واستغلالها وترسيخها عبر التاريخ، من أجل أن يقلب المعادلة، ويصبح هو السيد المطاع هو الأصل، وهي الخادم التابع المسكون بذل الخطيئة والندم.

   د . حنان العبيدي، متحمسة لتصحيح تلك الفكرة عن المعادلة التي ولد فيها الانسان ( الجندر ) نوعا لا جنسا، وإعادة الاعتبار الى الانثى، ليس دفاعا فطريا عن جنسها فحسب، انما دفاعا عن الحقيقة الكونية التي نشأت على أساسها الخليقة، وكانت الأصل فيها .. هي – الأنثى !

   لكنها من منظور آخر وفي قراءة ثانية للوحة نجدها متحمسة ايضا لكشف نواقص ومساوئ الكائن البشري، والموقف الإنساني حين لا يكون الرجل رجلا ولا الأنثى أنثى! .. لذلك فهي لا تتهاون في استعمال قسوتها وإعلان احكامها الصريحة القاطعة على نماذج بشرية خيبت آمالها، فالرجل في هذه النماذج يخسر رجولته ليصير مجرد فقاعة فارغة، والمرأة تخسر انوثتها لتصبح مجرد بالونة فارغة أيضا، ولا فرق بين الإثنين ربما لإلا في حجم الفراغ لا أكثر.

   العبيدي التي درست علم النفس الى جانب ثقافتها الأكاديمية في التربية الفنية وبحوثها المتخصصة في رسوم الأطفال، ومواهبها في الرسم والشعر، ومشاركاتها الفاعلة في منظمات المجتمع المدني التي تعنى بالأرامل والأيتام، تحاول  ( عقلنة ) العمل الفني، فهذا العمل بالنسبة لها ليس مجرد شكل تجريدي أو تكوين سريالي أو لعبة بصرية أو خطوط هندسية، أو مغامرة لونية، إنه خلاصة ( عملية عقلية مركزة ) تحاول من خلالها أن تدرس الإنسان الذي يعد من أكثر الكائنات الحية تعقيداً وأغربها سلوكاً، وأكثرها حيرة وشكا وتقلبا، دراسة ( أنطولوجية، ومعرفية، وسلوكية ) تكشف عن خبايا النفس البشرية، وتستكشف عمق المأساة الإنسانية المتمثلة في تراجع الإنسان عن انسانيته وركونه الى الزيف وتبلد الأحاسيس، وتحوله من كائن ممتلئ بادراكات العقل وقوى النفس وأنوار الضمير، إالى مجرد فقاعة فارغة تهيم في الفضاء الضيق، قبل ان تنفجر وتتلاشى من دون أي أثر أو فعل إنساني حقيقي يليق بالإنسان.

Comments are disabled.